الجمعة، 24 يناير 2014

موكب الجنازة


في الطريق الى ابوظبي و عند الاقتراب من حدود المدينة ، يتخذ الطريق السريع انحناءة الى اليمين ممكّناً من ينظر إليه من بعيد من رؤية جميع مصابيح الإنارة و هي تستيقظ من غفوتها بعد المغيب.

كنت استمع الى اغنية قديمة عندما شدت انتباهي هذه القافلة الحزينة في عتمة الأفق ، إذ بدت لي سلسلة المصابيح من مكاني كمسيرة من حاملي الشموع ، في طريقهم بتؤدة وسكينة نحو جنازة ملحمية.
عندها انتبهت الى ان كلمات الأغنية تناسب المشهد الذي أراه لدرجة مرعبة...
"Dominus, miserere" 
"Sanctus, gloria"

و تملكتني رهبة المشهد ، كمن تسلق أعلى قمة على وجه البسيطة و التفت لرؤية العالم المترامي الأطراف في الوقت الذي بدأت تشرق فيه الشمس. إنها لرهبة نادرة لا يشعر بوخزتها إلا من كان حاضراً في عرس الزمان و المكان عندما تعقد الفكرة قرانهما.

علام تأسى تلك الكائنات اللامرئية يا ترى وهي حاملة شموع الفجيعة ؟ هل يندبون الجمال ، جمال الحياة وجمال الروح البشرية،  الذي تم قتله وتشويهه بكل بشاعة على مر العصور حتى وصلنا الى هذه الحال المتردية ، حيث لم نعد نتذكر متى كانت الحياة جميلة ؟

لسبب ما تذكرت عبارة قرأتها في رائعة أنطون تشيكوف "النورس L'Albatross" : " انا في حداد على حياتي" .
و ظللت اتساءل بينما احدق في البعيد محاولة ايجاد قائد موكب الحداد عبثاً :  متى يكون المرء في حداد على حياته ؟ 
متى يجب ان نتوقف فجأة في خضم الصراع الأزلي الذي يسمى "الحياة"  لنقرر اذا ما كانت حيواتنا تستحق الرثاء ؟

هل حدث وأن استيقظت يوماً ، عزيزي القارىء ، و أدركت ان ما أنت عليه الآن بعيد كل البعد عن ما أردت أن تكون ؟

وأن عليك الإختيار بين اثنين : إما ان تعود إلى الوراء لتغتال ذاتك القديمة قبل ان تشكل كل تلك الرؤى الساذجة عما ستكون عليه في المستقبل.
وإما ان تضع ثوب الحداد حالِك السواد ، و ترثي كل ما لن تكونه في المستقبل.

في كلتا الحالتين شيء بدواخلنا يختنق ببطء و يختفي مع الشمس عند الغسق.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق